لم يكن يتوقع الاسرائيليون يوماً ان هجوماً فلسطينياً واحداً سيؤدي الى خطف اكثر من 30 اسرائيلياً ويقضي على اكثر من مئتي قتيل، ويجرح المئات في عملية عسكرية نفذتها حركة "حماس"، والاهم ان الفلسطينيين استطاعوا ان ينتشروا خلالها في مستوطنات عدة تقع في غلاف غزة.
انها الصدمة التي اصابت اسرائيل، وبدت فيها عاجزة عن التصرف بعد كسر هيبتها الى حد الاذلال، امام كل دول العالم: ماذا ستفعل تل ابيب؟ هناك سيناريوهات عدّة امامها، لكن دونها عقبات وجودية حقيقية.
اولاً، تحاول اسرائيل ان تعيد السيطرة على المستوطنات التي دخلها الفلسطينيون. وفي حال صمد مقاتلو "حماس" داخلها ليومين اضافيين، فهذا يعني ان وضع الاسرائيليين سيكون صعباً، خصوصاً ان تل ابيب مضطرة الى التعامل بحذر بسبب وجود اسرائيليين في تلك المستوطنات.
ثانياً، تريد تل ابيب اعادة الهيبة المفقودة الى جيشها عبر ضرب "حماس" في قطاع غزة، وهي تخطط اساساً لتقسيم القطاع المذكور الى ثلاثة مناطق. لكن الخطة غير مضمونة النجاح، بسبب جهوزية الفلسطينيين الذين يخوضون حرباً وجودية ايضاً ضد الاسرائيليين، ويخططون لإشعال ساحة الضفة الغربية.
ثالثاً، في حال مضت تل أبيب بقرار دخول غزة، لن تقف الحرب عند حدود فلسطين، بل ستتوسّع بكل اتجاه اقليمي، مما يعني حينها ان لبنان وسوريا والعراق وغيرهم معنيون بدعم الفلسطينيين وفتح جبهات ضمن مبدأ "وحدة الساحات" الذي اطلقه "محور المقاومة" يوماً. عندها ستكون الحرب شاملة في الشرق الاوسط، وستخلط اوراق دولية.
كل ذلك يطرح السؤال: هل يرغب الاميركيون في فتح حرب شرق اوسطية؟ القرار عندهم. لا يبدو ان واشنطن ترغب بتوسيع رقعة الحرب في عز الانشغال الغربي بالحرب الاوكرانية التي انهكت الدول الغربية إقتصادياً، في وقت تخطط تلك الدول للاستفادة من غاز الاقليم وترسم طرقات دولية تربط الهند بأوروبا عبر دول عربية.
لكن ماذا ستفعل اسرائيل التي نال منها الفلسطينيون في غلاف غزة؟ اذا تراجعت عن خطتها واستسلمت للواقع، ستدفع أثمان بأبعاد جوهرية، انطلاقاً من كونها دولة غير آمنة: هجرة معاكسة، هروب مستثمرين، تأثر السياحة، فقدان الهيبة العسكرية والأمنية بعد ترسيخ تفوقها منذ عام ١٩٤٨.
واذا ارادت تل ابيب فتح معركة كسر "حماس" يعني ان الحرب الاقليمية قائمة، وهي بالتالي ستؤدي الى تعرض اسرائيل لأعنف حرب ضدها. لن تكون الحرب تقليدية حيث الجيوش تواجه جيوشاً، بل على طريقة حرب العصابات التي لا يمكن لإسرائيل ان تحسمها بعد تجارب حروب غزة ولبنان الماضية.
وعلى هذا الاساس، فإن الحلّ الوحيد لتجنب الحرب المفتوحة هو نجاح وساطات دولية في ترتيب تسوية، كما كان يحصل سابقاً. لكن التسويات مهما كان نوعها ستكرّس واقعة هزيمة اسرائيل، وستحيل قياداتها السياسية والامنية والعسكرية على المساءلة، لإبعادهم لاحقاً عن الواجهة، كما في حال تقرير "فينوغراد" بشأن حرب لبنان الذي اقرّ بإخفاق قادة اسرائيل يومها.
لا تزال كل الاحتمالات واردة، وستحددها الايام القليلة المقبلة.